إشكالية الوعي الإسلامي في حداثة العصر وأزمة البصيرة
بقلم التدريسية: جمانة جاسم
تتمثل أهمية الوعي الإسلامي في حداثة العصر وأزمة البصيرة في قدرة المسلمين على فهم التحديات الحديثة التي تواجه المجتمعات بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص، مما يتطلب الامر الانقياد الى المبادئ الإسلامية واحكام القران الكريم، والرجوع الى المنظومة القيمية في الشريعة الإسلامية، فالمجتمع الإسلامي يواجه تحولات سريعة في العالم الرقمي ولتحقيق التنمية الإسلامية بكافة متطلباتها لابد من وجود بصيرة ووعي إسلامي قوي وتطبيق عملي في التعليم الإسلامي والتربية الإسلامية في الاسرة والمدارس التي تركز على تعزيز القيم والمبادئ واحكام القران الكريم المتعلقة بكافة الالتزامات الشريعة.
فالمجتمع الإسلامي بحاجة الى تطوير مهارات الاستيعاب والتفكير بشكل يتوافق مع الشرع الإسلامي الحنيف، والبصيرة اليوم على قدر كبير من الأهمية في ظل الاعلام الخادع والمضل الذي يتجه اليه حداثة العصر، فالأفكار الغربية المضلة التي تؤدي الى سلب البصيرة من كل افراد المجتمع تكمن من خلال السيطرة الفكرية عليها.
ونرى ان البصيرة هي مجاهدة النفس وكثرة التفكّر وتربية النفس مما أصابها من شوائب الحياة لتزكو وترتقي الى الله، فالوعي الإسلامي يكون بالتيقظ ورسم الاتجاه الصحيح واهداف تكون خالصة لله، وهي الدليل الواضح الذي يعصم الانسان من الانحراف ويهديه الى جادة الصواب، فالوعي لدى الانسان والذي يمكن الاستدلال عليه من الآية الكريمة في قوله تعالى: “والله اخرجكم من بطون امهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون” (سورة النحل الآية 78)، يتضح من التفسير الظاهري لقوله تعالى ان محددات المعرفة بوصفها عاملا أساسيا في تكوين البصيرة فيخرج السمع والبصر الى المعرفة الحسية دون المعرفة المادية.
فالوعي عامل أساسي للوصول الى البصيرة، وان البصيرة تلتقي مع الوعي على اعتبار انها الشعور الكائن بما في نفسه وما يحيط به، وهذا الشعور هو الادراك بالموجودات، كذلك يتحتم الوعي الإسلامي ضمن حداثة العصر التي كانت بعيدة كل البعد عن الثقافة القرآنية والسير نحو ما يطلبه الشارع العظيم، لأنه الوعي له ارتباط كامل بتحديد منهاج الانسان في الحياة، الا انه ما يلاحظ في هذا العصر (الحديث عصر الانترنيت والرقمية) ازمة شديدة في الوعي الديني وذلك بسبب الانفتاح على المجتمعات الاخرى ومحاولة اللحاق بركبها منقادين اليها بدون وعي وبصيرة وتفكّر، كما ان الوعي الديني يمثل الطريق الى الاستقامة والنجاة من النار، والمعرفة بالعلوم الدينية شرط لازم لمواجهة المخاطر المحدقة بل تعد النور الذي يستطيع الانسان من خلاله ان يرى المواقف بشكلها الصحيح وتتمثل الحقيقة في قوله تعالى: “فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” (سورة الحج الآية 46)، يتضح لنا من الآية الكريمة أن البصيرة في الدين هي البوصلة التي تحدد الاتجاه الصحيح لمسار الانسان وفي حال فقدها سينحرف الانسان عن الحق، فهي اذن شرط لازم وضروري للنجاة، لاسيما ونحن في ظل تلاطم المناهج والسلوكيات المشينة والاخلاقيات السيئة التي تعاصرت مع التطور التكنولوجي والانفتاح الكبير فكثرت الفتن والمآسي، فأن الذي يرسم الهدف ويحدد معالمه هي البصيرة لأنها هي الثروة التي تغني وتحجب الانسان عن الزلل والهلاك وتقف حاجزا بين هدف السوء.
وعن طريق البصيرة يمكن للإنسان ان يبصر عيوب نفسه، لينطلق بتصحيحها والابتعاد عن الذنوب والخطايا، فاذا استطاع الانسان ذلك يكون اقرب لساحة البصيرة الثاقبة، ومن يعرف نفسه يستطيع رسم خارطة لحياته، فلابد من بذل الجهود المضاعفة لمحاسبة النفس وإدانتها وترشيد مسارها ولن يكون ذلك الا بالعلم والفهم والتأمل والتدبير.
الانضباط والالتزام بقوانين الله سبحانه وتعالى من شأنها أن تقينا عقبات الطريق، وتميز لنا الطريق الذي يقودنا الى النجاح السامي عن الطريق الذي يزين لنا الفشل الإخروي ونجاح الدنيا فيه زائل، والفيصل بينهما هو بالامتثال لأحكام الله سبحانه وتعالى.
نحن وفي هذه الوريقات البسيطة ندعو ونرتجي لأنفسنا الوصول الى تفعيل البصيرة وثقافة الوعي بشكل عام والى ثقافة الوعي الديني بشكل خاص والاحكام التي جاءت بها النصوص القرآنية وتطبيقها على ارض الواقع بتدبر، وتدعيم العقل وحضوره وابعاده عن كل ما يسئ الى حركته لاسيما في عصر فقدان البصيرة والانفلات والاقتراب نحو ملذات الدنيا، فالمفروض ان نتسامى على سلبياتنا وان تتوجه بصائرنا الى الانقياد لكل ما يحبه الله ويرضى عليه.